كتب حسن عصفور/ في ذورة “الغضب الفلسطيني الرسمي” من دولة الكيان قبل عدة ايام، جراء حجم “الاهانة السياسية” التي وجهتها لها، قرر الرئيس محمود عباس، ضمن ما قرر في لقاء “القيادة” ارسال وفد “مختلط” الى قطاع غزة للتباحث مع حماس بشأن تنفيذ اتفاقيات المصالحة، ولأول مرة يتم تشكيل “وفد غير فتحاوي”، ليبدو الأمر وكأنه خطوة جادة، وظن البعض أن الطريق سيكون سالكا بين رام الله وغزة، وسيجد “الوفد المختلط” ترحابا من حماس، وليس كما حدث مع زيارة المسؤول الفتحاوي عزام الأحمد، حيث سبق أن تم الاعلان عن زيارته لغزة بعد تنسيق مع هنية، لكنه ذهب الى عدة دول خارج فلسطين دون أن يجد ردا لتحديد موعدا لزيارة قيادة حماس في غزة..
“الوفد المختلط” يضم رجل الاعمال منيب المصري، وهو من احتفظ بصلة مودة سياسية مع حماس خلال فترة الانقسام الأسود، ولكن فجأة فتح أحد نواب حماس بغزة نيرانه ضد المصري لدرجة اتهامه بـ”الخيانة” لمجرد أن قرأ الحمساوي خبرا في موقع عبري نسب الى المصري كلاما ثبت أنه ليس صحيحا، ولكن أقوال الحمساوي الذي سارع بتصديق كلام لموقع اخباري عبري وتعامل معه وكأنه “الحقيقة المطلقة”، رغم أن الاعلام الاسرائيلي يقول عن حماس وقادتها كلاما لو أريد تصديقه لأعتبرت حماس بذاتها حركة خارج النسق الوطني، لكن الحمساوي المتحمس أراد استغلال أقوال اسرائيلية لإرباك زيارة “الوفد المختلط” ودفعه لإلغاء الزيارة، او وضع أجندة غير التي جاء من أجلها، ليتحول من موقع الهجوم على سياسة حماس الرافضة لانهاء الانقسام بذرائع لا تقنع طفلا، الى موقع “الدفاع عن الذات”، وهو تكتيك حمساوي قديم، ورغم بلاهته، لكنهم مصرون عليه..
ولأن حماس ليست بذي صلة بملف المصالحة في المرحلة الراهنة، ولا ترى أن الزمن زمنها، ولعل الرد الرسمي الحمساوي أن قيادة الحركة لم يتم التنسيق معها بشان الزيارة يشكل كلاما معيبا، من حيث الشكل والمضون، ويكشف طريقة تفكير حماس، فوصول وفد فلسطيني الى قطاع غزة لا يحتاج لأذن من “الادارة المدنية الحمساوية”، كون القطاع حتى الساعة جغرافيا وسياسيا جزءا من فلسطين، ولا نعتقد أن خطفه الانقلابي الغى تلك الحقيقة، رغم “النوايا الاخوانية – الحمساوية” لاقامة “مشيخة خاصة” تجد دعما سياسيا في المشروع الأميركي المعروف باسم “مبدأ أوباما” لفصل الضفة عن القطاع..ولو كان تفكير قيادة حماس تفكيرا ينطلق من منطلق ادراك أن الضفة والقطاع “وحدة جغرافية سياسية واحدة” لما قالت ما تقوله وتردده دونما تدقيق، بأن القدوم الى غزة يحتاج “تنسيقا” مع جهازها “الأمني – المدني”، كما تفعل دولة الاحتلال الاسرائيلي..
من حق حماس أن تحدد ما تريد من الأسس والشروط والمرتكزات التي تعشقها، بأن اي لقاء ييتطلب للنجاح هذا الشرط أو ذاك، ولكن ليس من حقها مطلقا أن تتصرف وكأن قطاع غزة بات ملكا لها، وأنها هي لا غيرها من يحدد القادمون والخارجون منه واليه، فتلك النظرة والرؤية يجب أن تنتهي الى غير رجعة، وتكف قيادات حماس عن هذا السلوك المريب، ودون ذلك يصبح من المعيب على قيادة الشعب الفلسطيني الرسمية أن تتجاهل هذا المنطق السياسي الانفصالي لحركة حماس، فشرط التنسيق للوصول الى قطاع غزة يجب أن لا يكون حاضرا، ولا يجب التعاطي معه تحت كل الظروف، ولو أصرت حماس يجب شن حرب سياسية على ذلك من واقع ليس الانقسام بين فتح وحماس بل من واقع أن حماس قوة “احتلالية” لقطاع غزة، وهذا ليس اتهام لحركة تقول ما قالت تجاه من يريد الذهاب الى القطاع..
حماس لها الحق ان تقابل او لا تقابل “الوفد، تقبل أو لا تقبل فذلك خاص بها، ولكن لا يمكن لها ان ترفض قدوم أي فلسطيني الى قطاع غزة، أو تفرض “تنسيقا مسبقا”..هذه العقلية يجب أن تنتهي كليا من “قاموس الاستخدام الاعلامي”، ولتتحدث حماس كما تريد عن ما يخص اللقاء دون المساس بالحركة من والى القطاع..
تلك الملاحظة لا تلغي ابدا أن حماس ليست جادة، كما بعض فتح، في انهاء الانقسام في هذه المرحلة لحسابات داخلية واراتباطات غير فلسطينية، وأن مفتاح القرار بهذا الشأن بات رهينة لطبيعة الموقف القطري – التركي، والتطور السياسي في مصر، فهناك من لازال واهما من قيادات حماس أن مرسي عائد الى القصر..لذا لن يفعلوا شيئا قبل أن يتم حسم ملف الانتخابات المصرية، وصياغة الرؤية القطرية – التركية من ملف مصر المستقبلي..
والمسألة ليست في ارسال وفد لمعرفة موقف حماس، او في انتظار موقف فتح، كل شيء واضح وضوح شمس يوليو..ولكن الحالة الانتظارية لطرفي الأزمة كل في تخندقه هو الناظم لمسيرة المصالحة، ففتح لا تزال تراهن على “الخلاص الأميركي” من “الورطة التفاوضية”، فيما تنتظر حماس خلاصا مجهولا لاعادة حكم جماعتها الى قصر الاتحادية في مصر الجديدة..أوهام طرفي الأزمة هي العامل الرئيسي المعطل للمصالحة..
المصالحة تحتاج معرفة مضمون الرؤية السياسية المقبلة، قبل الحديث عن آليات أكل عليها الدهر وشرب، السؤال الذي يحتاج لجواب: هل المصالحة ستكون على قاعدة استمرار السلطة الفلسطينية بكل ما لها وعليها أم انها ستكون في سياق دولة فلسطين تحت الاحتلال وضمن منظومة سياسية جديدة لها..سؤال جوابه يحدد جدية الحديث عن المصالحة..
ونواصل الحديث عن ذلك لو اتيح لنا زمن يسمح بالحديث!
ملاحظة: كلام د.ابومرزوق القيادي التاريخي في حماس عن ان مصلحتهم مع من يحكم مصر ويختاره شعبها، خطوة أولى ايجابية لتصويب المشهد السياسي لحماس..الخطوة تحتاج توضيحا أكثر صراحة وبلا خجل أو “لعثمة”!
تنويه خاص: “انتفاضة فتح” ضد تصريح لعباس زكي تحدث عن مارتن أنديك بأنه “صهيوني” لم تكن في محلها أبدا..فالرجل لا يخجل من يهوديته وصيهونيته، وبيان فتح مجاملة لم تكن في زمنها..اصاب عباس زكي وأخطأت فتح..ولمن لا يرى اقرأوا تاريخ الرجل ومسيرته..رحم الله أبو عمار!