كتب حسن عصفور/ بعد سنوات على انتهاء \”قمة كمب ديفيد\” للمفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية برعاية أميركية عام 2000، خرج الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون ليقول كلاما من يقرأه لا يفكر ثانية ، ليتهم الطرف الفلسطيني وزعيمه الخالد ياسر عرفات بافشال مفاوضات \”كمب ديفيد\”، فالرئيس كلينتون، يعلن في تصريحات صحفية أن الرئيس ابو عمار رفض التخلي عن \”16 متر\” في \”الحائط الغربي بالقدس الشرقية\”، ما أدى لانهيار مفاوضات القمة، التي جرت في يوليو – تموز 2000 في المنتجع الأميركي الشهير..
والخبر بطريقة العرض الكلينتوني، يحمل اتجاها واحدا لا غير، وهو تحميل مسؤولية افشال تلك المفاوضات الى الزعيم الشهيد، بل وأنه يحاول اظهار أن \”انهيار السلام وصناعته كان بسبب تلك الأمتار الـ16\” في ما يسميه هو وكل أنصار دولة الكيان بالجدار الغربي، وبالتأكيد من يقرأ تلك الأقوال من سكان المعمورة، عدا بعض فلسطين والعرب، سيصدقوا رواية كلينتون وستكون النتيجة أن يضعوا فشل مسار \”التسوية السياسية\” على كاهل الخالد ياسر عرفات..
كان من المفترض نظريا، ان تبادر قيادة فتح التي تحمل ملف المفاوضات، وخاصة الرئيس محمود عباس وكبير مفاوضية وحامل \”الذاكرة التفاوضية\” د.صائب عريقات بالرد الفوري على تلك الأقوال ليست التضليلية فحسب، بل والكاذبة كليا، ولكن يبدو أن عبئ الانشغال بالبحث عن سبل اعادة التفاوض التي أوقفها نتنياهو، اشغلتهم عن التوضيح الضروري للشعب الفلسطيني أولا وللعالم ثانيا، ومن أجل الحقيقة السياسية ثالثا، ولكن سنمضي على طريقة المثل الشعبي الفلسطيني، \”أجد لأخيك عذرا\”، وسأحاول ان اتناول الرد بحكم مشاركتي في تلك المفاوضات، ومسؤوليتي تجاه شعب فلسطين والزعيم الخالد، ان لا نسمح لأي كان أن يقوم بتزوير الحقائق أو لوي عنقها لخدمة رواية معادية لشعب فلسطين..بعيدا عن الادعاءات الكاذبة التي حاول أحد الفلسطينيين ترويجها عن كمب ديفيد وما حدث بها في الطرف الفلسطيني، فيما يصمت هذا المزور للحقيقة عن الرد على رواية كلينتون الكاذبة \”لغرض في نفس يعقوب\”..
بداية، لم يتم تقديم اي عرض سياسي متكامل في قمة \”كمب ديفيد\” للقول أنه كان مشروعا يمكن البناء عليه لوضع اسس للحل السياسي، وما كان يقدم أميركيا واسرائيليا، ليس سوى افكار لبعض القضايا وليس لكلها، لأن الهدف الحقيقي لقمة كمب ديفيد لم يكن الوصول الى تسوية لحل نهائي، بل كانت محاولة اميركية – اسرائيلية لنصب \”كمين سياسي\” للرئيس الخالد ياسر عرفات والطرف الفلسطيني، والبدء العسكري في تصفيته، وهو ما أشار له رئيس جهاز الشين بيت الاسرائيلي ايلون قبل نهاية عام 2000..ولكن ليست المسألة الآن كشف طبيعة المخطط المرسوم آنذاك، بل كشف التزوير الذي تحدث عنه كلينتون لتزييف الحقيقة السياسية في مفاوضات كمب ديفيد عام 2000.
وبعيدا على القضايا الأخرى، والتباس الموقف الأميركي وانحيازه الصريح للطرف الاسرائيلي، فالقدس كانت القضية الجوهرية للزعيم الخالد الخالد ياسر عرفات، وهي كانت المفتاح اما للنجاح او الفشل، وكل القضايا الأخرى كانت تحتل مكانة غير مكانة القدس والأماكن المقدسة بها، حاولت الادارة الأميركية أن تضع مقترحا لحل الوضع الشائك في مدينة القدس الشرقية، يستند الى تقسيم مفهوم السيادة فيها، وايضا في البلدة القديمة انطلاقا من النظرية السائدة لديهم، أن \”هيكل سليمان\” كان موجودا في القدس، ولذا كل الحلول التي كانت تقدم أميركيا واسرائيليا تنطلق من تلك المسألة، وهو ما لم يكن يتفق مع رؤية الزعيم الخالد، ورفض بالمطلق الاعتراف بتلك الرواية اليهودية، وامتلك رؤية خاصة قدمها بصور تاريخية عن وجود الهيكل في غير فلسطين، وغير القدس، ولذا رفض رفض رفضا مطلقا أي وجود تاريخي للراوية الاسرائيلية – الاميركية بخصوص \”هيكل سليمان\” في القدس..
وحاولت ادارة أميركا أن تتقدم بمقترح تضليلي اسمته \”تقسيم السيادة فوق الأرض وتحت الأرض\”، بحيث تكون فوق الأرض للفلسطينين في منطقة المسجد الأقصى، على أن تكون السيادة تحت الأرض في تلك المنطقة بلا تحديد، مع منح منطقة \”حائط المبكى\” لليهود، على ان يتم الالتزام بعدم القيام باي أعمال تحت الأرض ..وقد تبدو المسألة للبعض وكأنها مقترحات لـ\”حل منطقي ومقبول\”، لكن الحقيقة أن الاقتراح، وفقا لرؤية الزعيم الخالد، يشكل خطرا حقيقيا على المسجد القدسي الشريف ومستقبله، وقبل ذلك يمثل اعترافا بالرواية الصهيونية عن وجود الهيكل، وهو ما يمكن أن يكون مقدمة لتدمير المسجد الأقصى واعادة بناء \”هيكل سليمان\” لاحقا..
لسنا في صدد تقديم \”رواية مذكرات\” لتلك المفاوضات وما حدث بها، وحقيقة موقف الزعيم الخالد دفاعا عن القدس أولا وقضايا الحل النهائي من منطلق الرؤية الوطنية، بل للرد على كذبة سياسية أطلقها الرئيس الأميركي الأسبق، بخصوص الخلاف في مسألة القدس، فلم يكن ابداء يتعلق بأمتار ضمن \”حائط البراق\”، الذي يسمه اليهود وكلينتون بـ\”حائط المبكى\”، بل أن الزعيم الخالد لم يتقبل من حيث المبدأ اي تواجد تاريخي لهيكل سليمان في القدس، واعتبرها رواية زائفة ولم يدخل مطلقا في مناقشة الأمتار او غيرها في هذه المسألة..ويعلم كل اعضاء الوفد الفلسطيني وايضا الوفد الاسرائيلي تلك الحقيقة، التي يمكن اعتبارها القضية التي كانت السبب الجوهري للخلاص من الزعيم ياسر عرفات، والتي أطلف يهود براك والوفد الاسرائيلي مع انتهاء كمبد ديفيد مقولتهم الشهيرة أن \”عرفات لم يعد شريكا في السلام\”..الجملة التي شكلت منطلق تصفية الزعيم..
المسألة لم تكن أمتارا، كما يروي كلينتون، لتكريس اكذوبة سياسية ربما يراد لها أن تخدم جهة ما أو تمهيد لحل يستتر خلفه بعض من يريدون الحل باي ثمن..الزعيم الخالد رفض الرواية التاريخية للحركة الصهيونية واليهود بخصوص مكان تواجد \”هيكل سليمان\”، وتقدم بعرض مرفقا مع صور تاريخية وأثرية عن مكان تواجد \”هيكل سليمان\” خارج فلسطين..وتلك المسألة التي أدت لاتخاذ قرار تصفية الزعيم، الذي تم تنفيذها في يوم 11/ 11/ 2004..
رواية كلينتون كاذبة مائة بالمائة، فلم يعترف يوما الشهيد الخالد أن هناك هيكل في القدس، وأن الخلاف لم يكن أمتارا أو غيره، بل رفضه المطلق للرواية اليهودية – الأميركية عن مكان هيكل سليمان، واقوال كلينتون محاولة تزوير لخدمة هدف يتم التحضير له لتمرير \”تسوية للقدس\” خلافا لموقف الزعيم الخالد ابو عمار، الذي أدرك بحسه الخاص ما يخطط للخلاص من المسجد القدسي الشريف، والذي بدأت ملامحه تنكشف راهنا بتسارع ملحوظ..تلك الحقيقة السياسية التي كان يجب توضيحها من القيادة الفلسطينية رسميا ولكن العون لهم في مهتهم البحث عن سبل عدم اغلاق مسارهم المحبب دوما!
ملاحظة: شهادة حسن سلوك سياسي قالها بعض موظفي اميركان في حق الرئيس عباس بأنه قدم \”تنازلات\” لانجاح المفاوضات..ليتهم يكملوا الجميل ويحكوا ما هي تلك \”التنازلات\”!
تنويه خاص: يقال أن مشاورات تشكيل الحكومة الفلسطينية قادمة..هل المشاورات \”سرية\” أو أن الحكومة ستكون \”سرية\”..في العرف أن المشاورات علنية جدا..ليت أحدهم يفسر لماذا التأخير..او متى ستبدأ..ليقال مثلا بعد انتهاء مراسم \”زواج حفيد الرئيس في قطر\”..نتفهم ونبارك أيضا!