كتب حسن عصفور/ وأخيرا تم تحديد “الموعد التاريخي” لزيارة “الأشقاء للأشقاء”، وما لم يحدث ما يعكر صفو تلك “الرحلة التاريخية” التي تعيد للذاكرة رحلة أول “وفد اميركي للصين الشعبية المعروفة عالميا بـ”ديبلوماسية تنس الطاولة – البينج بونج”، يصل الوفد برعاية الله منتصف الاسبوع القادم، وبعضهم يقول أنه سيكون الاثنين، يوم ينتظره أهل فلسطين عامة في شتات الأرض وداخل وطنهم المحتل والمغتصب، وكلهم أمل أن تكون نتائج زيارة الأشقاء من الضفة مكللة بالنجاح ..
وبعيدا عن الأمل والتمني، فما يظهر اليوم الى السطح أن هناك اشكالية فهم جدي لما هي أولوية البحث الخاص، فحركة حماس وعلى لسان رئيسها في قطاع غزة، اسماعيل هنية يطالب بضرورة تنفيذ اتفاقيات المصالحة “رزمة واحدة”، فيما تشير مصادر فتحاوية وعباسية أن الأولوية للانتخابات التشريعية والرئاسية وتشكيل الحكومة فقط، ولا ذكر لبقية “الرزمة”، وهو لا يعني أن فتح لا تعترف بها، لكن اعلان الرئيس عباس وفي لقاء صحفي معلن ومنشور، انه على استعداد فورا لتشكيل الحكومة وانهاء الانقسام، لو وقعت حماس على اجراء الانتخابات، كلام أثار لغطا واسعا في صفوف اهل فلسطين، وايضا داخل حماس..
ولذا وقبل أن يذهب “الوفد الشقيق” الى “القطاع الشقيق”، يجب أن يحدد الوفد مع مرجعيته، ما هي القضايا التي سيتم بحثها مع حماس، باعتبارها هي المقصد من زيارة القطاع وليس غيرها، وهل بالامكان فعلا الاستجابة لما تريده من تنفيذ اتفاقات المصالحة “رزمة واحدة”، أم هناك مفهوم وآلية جديدة يمكن أستبدالها، وهل يمكن تحديد آلية المفهوم لكل مفهوم ضمن حدود واضحة، ومحددة بضوابط سياسية زمنية، وكي لا تبقى المسائل غاية في الضبابية، فما تقصده حماس هو أنها لن توافق على تجزئة اتفاقات المصالحة الموقعة، وعمليا ما تريده بالقطع تحديد انتخابات وتجديد أطر منظمة التحرير كما انتخابات برلمان الداخل، وتشكيل الحكومة، وبالطبع لن يختلف الطرفان كثيرا على عمل لجان كالمصالحة المجتمعية مثلا، ربما لجنة الامن تكون عقبة محدودة، لكن الجوهري سيقف أمام الأهم، المنظمة والسلطة..
ولأن فتح لا تزال مصرة على عدم الارتقاء بالشرعية الفلسطينية من حالة السلطة الى حالة الدولة، وهو ما يبدو واضحا كل الوضوح من التعبيرات المستخدمة في الحديث عن الانتخابات التشريعية وتشكيل الحكومة الانتقالية – مفهوم تجديد الشرعية الوطنية سيتم تناوله في مقال خاص لكشف خطر ما يتم ترديده من تلك الأطراف بخصوص “تجديد الشرعيات” – ، ولكن وتساوقا مع ما تريده فتح لعدم اغضاب أمريكا ضمن “صفقة المفاوضات الدائرة، فهي تريد حصر الانتخابات للمجلس التشريعي والرئاسة للسلطة، وتتجاهل كليا الحديد عن انتخابات منظمة التحرير، مؤسسات ورئاسة ايضا..
والمناورة هنا ليست شكلية، أو بحثا لوضع عقبات أمام تنفيذ ما هو متفق عليه، فطرفي الأزمة، مهما علا صوتهم وصراخهم “حرصا” على المصالحة، فهما فعليا لن يغادرا مربع الانقسام السياسي القائم، كل بحساباته الخاصة، فمن يسير بالتفاوض بشروط أمريكا، ويدير الظهر لموقف الاجماع الوطني ومؤسسات صاحبة قرار برفض التفاوض بلا مرجعية وعلى اسس واضحة تؤكد أن لا تفاوض على حدود فلسطين، وأن لا تفاوض في ظل الاستيطان، هذا الطرف لا يمكن له أن يكون أمينا لانجاز المصالحة، فيما الطرف الذي يرتبط بمحور سياسي واقليمي يسير في ركب المشروع الأميركي التقسيمي العام في المنطقة، لا يمكنه أن يغادر مربع الانقسام المحلي، ولكن كلاهما يلجأ للخديعة لتبرير انقسامه الخاص، ومع ذلك سنستخدم ذات المنطق ونؤكد هل فتح موافقة فعلا على تطبيق الاتفاقات رزمة واحدة أم انها تختار ما تراه مناسبة للسير في تكتيكها المعد للمجلس المركزي القادم، وهل حماس حقا قررت أن تنتهي فعلا من حصتها في خطف قطاع غزة..
حماس تعلم يقينيا ان فتح لن توافق الآن على انتخابات لمنظمة التحرير وتشكيل القيادة الوطنية العليا، وستصر على أن تكون انتخابات للسلطة ومؤسساتها ورئيسها، وستتهرب من تحديد موقف واضح لانتخابات منظمة التحرير، لأن الموافقة عليها سيجبرها على تشكيل “قيادة وطنية موحدة” تتولى مسوؤلية في ادارة الملف السياسي، وهو ما يشكل خطرا على “خيار التفاوض” الذي تسير عليه ولن تغادره قريبا، وحماس تعلم يقينا ذلك الخيار الفتحاوي وهي تتلاعب به وعليه، ولن توافق على انتخابات للتشريعي والرئاسة فحسب، لأنها تعلم يقينا أنها الخاسر الأكبر بها، وستفقد كل ما حدث في “غفلة سياسية” عام 2006، وعليه لن تغامر بخسارة ما لها دون أن تستبدله بحضور لم تكن به يوما، وهو منظمة التحرير والقيادة العليا..
لعبة وترجمة “الرزم التصالحية” هي الذريعة القادمة في ممر الهروب من تنفيذ المصالحة..والاسبوع القادم لو تم للوفد الزيارة، أو لم تتم، ستكون معركة الكلام بين طرفي المصيبة – الأزمة الوطنية..وكلاهما لن يغادر مربعه الإنقسامي الخاص!
ملاحظة: بدلا من أن تنتفض حكومة فتح لكرامة شعبها ضد اجراء بلدة قطر بمنع صحفيين فلسطيين من دخولها..ترسل رئيس اتحادها الرياضي لحضور الفعالية وكأن شيئا لم يكن..فعلا اللي استحوا ماتوا!
تنويه خاص: قيادي فتحاوي يدعو الشعب للتظاهر ضد من يعطل المصالحة..مطلب صحيح جدا..لكن هل يعتبر هذا القيادي أن التفاوض القائم هو تعطيل للمصالحة ويستحق التظاهر..لو كان جوابه بنعم..ليتظاهر عندها كل اهل فلسطين حاملين “صنادلهم القديمة” لكل معطل ومعرقل للبرنامج الوطني!