كتب حسن عصفور/ قبل ان تبدأ العملية العسكرية الإسرائيلية لتنفيذ مرحلة جديدة في طريق “الخلاص” من الزعيم الخالد ياسر عرفات، اقدمت دولة الكيان على اعلان أنها سيطرت على السفينة “كارين ايه” في شهر يناير ( كانون ثاني) 2002، وفتحت حكومة شارون نيرانها بكل الاتجاهات ضد الزعيم والسلطة الوطنية، ولم تترك كلمة من قاموس “الارهاب الخاص” الا والصقتها بالزعيم والسلطة، وطبعا سارعت واشنطن الى تأييد وتأكيد الحرب والحملة..كان معلوما أن تلك الحملة وتحت مسمى سفينة “كارين أيه” في عرض البحر الأحمر، هي الخطوة الرئيسية في البدء لتنفيذ مرحلة الخلاص من ابو عمار..
وبالفعل استغلت حكومة شارون، تنفيذ حماس لعملية انتحارية في ناد ليلي – عملية لم تحسب قيادة الحركة الحمساوية حسابا لأبعادها رغم معرفتهم بالتهديد الشاروني – ، وأمرت بتحريك دباباتها لتحاصر مقر الرئيس الخالد، وتعيد احتلال الضفة عسكريا، ولتعلن رسميا البدء في “رحلة التصفية المباشرة” لياسر عرفات، والدخول في مرحلة تنفيذ خطة شارون بتكريس مشروع “التقاسم السياسي الجغرافي” للقضية الفلسطينية والتي لا تزال قائمة حتى تاريخه..
ومن المفارقات التي تستدعيها تلك الحادثة الارهابية ان دولة الكيان بحكومة ليكودية أيضا، برئاسة نتنياهو تعلن وبعد 12 عام تقريبا انها سيطرت على باخرة أسلحة في عرض البحر الأحمر، وفي ذات مكان السيطرة على السفينة “كارين إيه” مقابل الساحل السوداني والارتيري..ولأن هدف السيطرة على السفينة الأولى كان لهدف مباشر اسمه التخلص من ياسر عرفات، وكان لأمريكا مصلحة ودور هي وبعض “أذنابها” المحليين، فإن الهدف من حركة السيطرة على سفينة السلاح الثانية، والقادمة من ايران أيضا، هي محاصرة الانفتاح الأميركي – الغربي على ايران، وهو ما يهدد الاستراتيجية الخادعة لدولة الكيان الاسرائيلي، كونها تستخدم فزاعة “الخطر الايراني” لخدمة مصالحها الاستراتيجية في تكريس الاحتلال والهروب من العقاب على جريمتها الكونية ضد الشعب الفلسطيني..لذا كان لا بد من اختلاق قضية كبيرة بمسمى “دعم الارهاب”، علها تنجح فيما فشلت فيه أكاذيب نتنياهو السابقة..
لا نود البحث في صحة أو عدمة صحة تلك السفينة، وما تحمل ولمن تذهب، لكن المسألة المركزية التي تحتاج الى بحث وتدقيق، في “النجاح الأمني” الاسرائيلي في تلك الأعمال على بعد آلاف الأميال في عرض البحر الأحمر، وكيفية الحصول على المعلومات والقدرة على المراقبة، وهي لا تملك أي مركز أمني متقدم يمكنه أن يساعدها على تحقيق ما تعلنه، ولا يوجد لها “قواعد عسكرية” أو “محطات خاصة”، يمكنها أن تبدأ بعملية المراقبة الدقيقة جدا لمعرفة حمولة السفينة وطبيعتها وجهة الوصول، ما يفتح الملف المسكوت عنه، رغم ان الجميع يعلمه، وهو الدور الأمني – الاستخباري للقواعد الأميركية في بلدة قطر..
منذ سنوات منحت امريكا حق دولة الكيان الاستفادة من المعلومات الاستخبارية – الأمنية التي تحصل عليها القواعد الأميركية في قطر ( السيلية والعوديد)، وفتحت تلك الاتفاقية في حينه جدلا سياسيا واسعا في الاعلام العربي، وحاول حكام قطر وقناتهم الصفراء خداع الشعوب العربية في نفي تلك المعلومة والتي أكدتها رسميا حكومة تل ابيب، واعتبرتها وزير خارجية الكيان في حينه، تسيبي ليفني، بان ذلك الاتفاق يشكل “نصرا استراتيجيا” لأنه يسمح لاسرائيل أن تكون في قلب الخليج ومحيطه..
ويوم ان تم السيطرة على “كارين ايه” خرجت اصوات فلسطينية لتشير باصبع الاتهام الى قطر واميرها السابق – والد الحالي – بأنه شريك في مؤامرة الخلاص من ابو عمار، لكن الصوت الفلسطيني الاعلامي لم يكن قادرا على كشف الحقيقة بكل ابعادها في حينه، ومرت “المؤامرة” وحقق المعادين هدفهم، واعتقدت اطراف “المؤامرة” انها قبرت مع تم اغتياله، لكن دولة الاحتلال ومن حيث لا تعلم قدمت خدمة كبرى لاعادة الكشف عن تلك المؤامرة، والبحث عن دور القواعد الأميركية ودولة قطر في مؤامرة اغتيال ابو عمار من خلال معركة سفينة “كارين ايه”..
فبعد أن اعلنت حكومة نتنياهو سيطرتها على باخرة السلاح في عرض البحر الأحمر، تعود الأسئلة التي سبق طرحها عام 2002، كيف لحكومة الكيان أن تراقب وتعلم وتحدد طبيعة حمولة سفينة وهي لا تزال في ميناء ايراني، وكيف لها أن تراقب خط سيرها وتحديد العلم المرفوع وجنسيتها، لولا أن هناك معلومات أتت من “المصدر”، وهنا لا يوجد مراكز مراقبة ووتتبع أمني استخباري سوى القواعد الأميركية في قطر..هي اذا من يقدم الخدمة الكاملة لدولة الكيان لتفعل ما تفعل، ولا يظن أحد أن تلك مصادفة يمكنها أن تحدث، أو فعل استخباري طويل اليد من “الموساد”..أكذوبة يراد بها تغطية حقيقة الدور التآمري والمشبوه لقطر ودور القواعد الأميركية فيها لخدمة دولة الكيان..
وهنا، لماذا تصمت حركة حماس وقيادتها على تلك المؤامرة المكشوفة والدور الاستخباري الأمني الذي تنفذه أمريكا عبر قطر ضد الشعب الفلسطيني، هل نجحت قطر في شراء حماس قيادة وذمة مالية ومشروع سياسي بمال وامتيازات..السكوت على هذه المؤامرة يترجم أنه جزء منها، وعدم تناول دور القواعد الأميركية في خدمة المشروع الأمني لدولة الكيان يكشف أن مشروع حماس لم يعد متصادما معه بل مع مشروع آخر يصطدم بالمشروع الأميركي الاستعماري الجديد..الا تخجل حماس عندما لا تتساءل عن حقيقة البعد الأمني في مسألة السيطرة على سفينة في عمق البحر الأحمر، وبعيد آلاف الأميال عن أقرب نقطة أمنية اسرائيلية..
صمت حماس عن مؤامرة القواعد الأميركية يكششف نفاق ورياء حركة تدعي انها لا تزال حركة “مقاومة”..وتكتمل المهزلة عندما ترى أن موقف مصر منها هو مقدمة لعدوان اسرائيلي.. زيف سياسي نادر تجسده هذه العبارة الحمساوية..فاسرائيل وعبر قطر هي الحاضن والراعي لمشروع حماس السياسي..والا لو كان غير ذلك لما كان رئيس حماس وقيادتها يجلسون بحماية الأمن الأميركي – الاسرائيلي..فهم من “اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف” ، كما قال شيخهم..عيب وكل العيب هذا الصمت على مؤامرة كبرى لعدو واضح، مقابل افتعال معارك وهمية مع من ليس خطرا ولا عدوا!
ملاحظة: حسنا فعل الرئيس محمود عباس أنه وعد بمراجعة القرار الغبي وغير الاخلاقي لفريق امني لقطع رواتب عناصر أمنية لتصفية حسابات شخصية..المراجعة تتطلب سرعة التنفيذ كي لا يقال انها “مناورة”..الشعب ينتظر!
تنويه خاص: قرار العربية السعودية باعتبار الجماعة الاخوانية حركة ارهابية، سيكون له تبعات تفوق جدا قرار مصر..وأول من يعرف هذه الحقيقة الجماعة اياهم..طبعا على حماس وجماعتها أن ينسوا الذهاب الى مكة منذ الآن وحتى اعلان البراءة!