بقلـم : حسن عصفور
انتهى اللقاء الأول بين الرئيس محمود عباس والسيد أولـمرت في مسلسل لقاء(2) كل شهر، كما اتفق عليه سابقا، بحضور وزيرة الخارجية الأميركية.
اللقاء بذاته أصبح قيمة سياسية، لدى الإدارة الأميركية، التي لا تستطيع أن تدفع بالعملية السياسية للأمام، فتم استبدالها، باللقاءات السياسية، مادامت لا تريد السكون السياسي، لأن السكون يولّد مخاطر عديدة …
ولاشك أن الجميع يعلـم ، ومن الطرفين خاصة، أن لقاءات القمة الحالية لا تنتج أفعالاً جادة، نحو عودة الاعتبار للأفق السياسي، الذي فتحت اتفاقية أوسلو أبوابه عام 1993، وتكرست بدايته العملية بإنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994.
فإسرائيل لا تزال تتعامل مع الواقع الفلسطيني وكأنه يفتقد لأدوات الضغط السياسي التي امتلكها، وأن الوضع العام لـم يعد يشكل ضغطاً على إسرائيل، حتى بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية.. والتي لـم تناقش وحدة الأداء السياسي والعملي، وتكتفي بالـمناقشات البعيدة عن ذلك الذي يجب مناقشته، بل إن بعض الوزراء، أخذتهم السعادة في استبدال مكانتهم السياسية بالبحث عن لقاءات مع شخصيات لا تتحدث العربية، وكأن \”الاختراق\” يكمن في الـمصافحات والابتسامات.. علـماً بأن مثل هذه اللقاءات هي التي ستغلق فعلياً البوابة السياسية أمام الحكم والحكومة، لأن الارتضاء بالتمييز.. والقسمة الراهن في التعامل مع الحكومة وكأننا ما زلنا نعيش ما قبل \”اتفاق مكة\”.
مخاطر هذه التفرقة، والتي تحتاج لتناول أوسع، أنها تكرس مقولة \”غياب الشريك\”.. فالحالات الفردية لا تشكل بذاتها حلاً للأزمة التي نواجهها.
ولأن الإشكال الداخلي، لـم يصل بعد إلى الحل الذي أردناه من \”اتفاق مكة\” من \”عودة الروح\” أو \”عودة الوعي\” للحالة الفلسطينية، بالابتعاد عن عقلية \”القسمة\” السياسية، وكأن الـمطلوب هو انتظار لحظة الانفجار، وليس مسار الانفراج، الذي يبحث عنه الفلسطيني الـمواطن، وكذلك الأشقاء العرب، الذين يعملون جاهدين لإعادة الاعتبار للعملية السياسية الـمفقودة.
فالجامعة العربية، التي تدرس وضع آلية \”تنفيذ\” أو بالأدق \”تسويق\” الـمبادرة العربية، من خلال لجنة \”الأحد عشر\” وحسب ما يقال فإن هناك من بين الأفكار إجراء اتصال من بعض دول مجموعة الـ (11) مع إسرائيل، في إطار استكشاف مواقفها من الـمبادرة العربية، للأفق السياسي الـمتوقع، وهل يمكن إحراز تقدم نحو حل الصراع العربي ـ الإسرائيلي؟.
ولأن السلام هو الجزء الإستراتيجي من خيارنا السياسي، فأنه لا مانع من البحث عن أساليب وطرق استكشافه، ولكن علينا أن ندرك، أننا نعرف إسرائيل جيداً، وهي مكشوفة لنا في هذه الفترة أكثر من أية فترة سابقة… ولذا فأسلوب التعامل وكيفية السلوك، هما جزء من العملية السياسية، لذلك فإن الـمبادرة العربية تحتاج قبل كل شيء، أن نجعل منها فعلاً سياسياً ذا ثقل إقليمي ـ دولي، بحيث تصبح خياراً سياسياً جاداً وفاعلاً، من قواعد التفاوض السياسي مع إسرائيل.
إن شرط التسويق يتطلب عرضاً قوياً، وإلا فإن إسرائيل خير مَن يتجاوز أي أساس تفاوضي أو اتفاق تـم التوقيع عليه، ما لـم يرتهن لقوة حماية فعلية له… كذلك فإن خلق \”قوة ثقل\” إقليمي دولي للـمبادرة العربية، هو الذي يجب أن يكون أساس التحرك القادم، وأن يقتصر الاتصال بإسرائيل على ما هو راهن، إلى حين خلق قاعدة لا تستطيع إسرائيل القفز عنها… لذلك فإن لقاء الرباعية الدولية العربية وفلسطين القادم هو \”بوابة الاختبار\”، لأن الولايات الـمتحدة ستفصح عن موقف إسرائيل قبل موقف الإدارة، تجاه الـمسار السياسي… لذلك فإن الأفضل ألاّ يتم الاتصال بخصوص الـمبادرة العربية مع إسرائيل قبل اللقاء الإقليمي ـ الدولي القادم… حتى نتمكن من صياغة الـموقف السياسي للـمرحلة الـمقبلة، والتي قد يكون أحـد عناصرها الاتصال بإسرائيل، ولكن على قاعدة أن تحدد إسرائيل موقفها السياسي، من القضايا الرئيسية الخاصة بجوهر الصراع، ولا يجوز أي اتصال معها، على قاعدة عدم الحديث عن الأرض والقدس واللاجئين، وهذا ليس تطرفاً سياسياً، كما يحاول البعض أن يراه؛ فالاتصال دون توضيح طبيعة الـموقف الإسرائيلي من القضايا الرئيسية، هو خطأ سياسي كبير… ولذا لـم تكن هناك ضرورة لأن يلتقي الرئيس أبو مازن مع أولـمرت لبحث مسألة الحواجز الترابية، هل تبقى أم تزول؟… أو أية قضايا ذات طابع إنساني، أو ما يتعلق بالحياة اليومية؛ فهذه مسائل تخص اللجان ما دون لقاءات القمة… ولكنها ظروف الضغط العام الذي نتعرض له في الظرف الراهن.
إن احترامنا لـمبادرتنا وكيفية تسويقها هو الذي سيجلب احترام الآخرين لها، وغير ذلك ستصبح كما كانت مبادرات سابقة أو قرارات شرعية لـم تفعل فعلها الـمطلوب في غياب قدرة الفعل تجاه إسرائيل، وبالتأكيد تجاه أميركا ومصالحها، علينا بناء قواعـد تحرّك قوية ومرنة إذا ما أردنـا التقدم للأمام.
17 نيسان 2007